صناعة الالعاب في الوطن العربي بين مطرقة القرصنة و سندان التكلفة

لا زالت صناعة الالعاب الرقمية في الوطن العربي في مرحلة الحبو منذ قرابة 15 عاما بالرغم من أن هذه الصناعة تجاوزت مرحلة التحليق إلى مستويات مذهلة في الكثير من دول العالم. تشير إحدى الدراسات إلى أن إيرادات صناعة الالعاب الرقمية و الرسوم المتحركة في العالم تصل إلى 240 مليار دولار، تحصد الولايات المتحدة الأمريكية منها قرابة 42% و تتقارب حصة اوروبا و دول آسيا عند 20%. تبلغ حصة الولايات المتحدة الأمريكية قرابة 100 مليار و الصين قرابة 9.5 مليارات و الهند قرابة 4 مليارات و سنغافورة قرابة 1.5 مليار و تايلاند قرابة 1.1 مليار دولار. بمقابل هذه الأرقام الضخمة نجد أن ما يحصده العرب لا يتجاوز بضعة ملايين

لا زلت احتفظ باستعراض للعبة الشبكات “فرسان الحق” التي شاركت في توقيع عقد انتاجها في عام 2000 و التي اضطررنا لإيقاف انتاجها بعد الانتهاء من انتاج المرحلة الأولى و ذلك بسبب “مطرقة القرصنة و سندان التكلفة”. بالرغم من أن تقديرات تكاليف الانتاج بلغت قرابة 30 الف دولار فقط! إلا أن الشركة المنتجة ارتأت إيقاف الانتاج لأن “مطرقة القرصنة” كانت تهدد الجزء الأعظم من عائدات المشروع و لأن سندان التكلفة كان يضم تكاليف الانتاج و ضياع اكثر من 80% من العائدات لشركات التسويق و “الكفيل أو الشريك الاجباري” في بعض الدول العربية و تكاليف النسخ و الطباعة و النقل و الجمارك…. كان السعر المقرر لبيع النسخة قرابة 8 دولارات فقط! أي أن الربح المتوقع من بيع كل نسخة لا يتجاوز 1 دولار! أي أنه يتوجب بيع اكثر من 40 الف نسخة لتغطية تكاليف التطوير الأولية!

بعد قرابة ثلاثة عشر عاما لا زالت صناعة الالعاب الرقمية في الوطن العربي في نفس المأزق و لا زالت تراوح مكانها، ربع خطوة إلى الأمام و ربع خطوة إلى الخلف. في كل عام أنتظر أن اسمع عن انتاجات عظيمة للمسلمين في عالم صناعة الالعاب الرقمية و الرسوم المتحركة و لكن يبدو لي أن أحفادي قد يعاودون الكتابة عن نفس الموضوع لأن شيئا لن يتغير.

لا، لست متشائما بل أنا متفائل و أعلم أنه يمكن النهوض بهذه الصناعة بل و الوصول بها إلى مستويات عالمية و في وقت قصير جدا إذا ما بحثنا في الاسباب و سعينا بجد نحو الحلول. السبب الأول هو مطرقة القرصنة و التي يستحيل التغلب عليها من دون حملة عظيمة لتوعية الناس بالتخلف و الشلل التكنولوجي الذي اصابهم و اصاب ابناءهم و سيصيب أحفادهم بسبب هذه الآفة. بوجود وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة يمكننا بالتأكيد تحقيق مثل هذه الحملة العظيمة.

أحد الحوادث المتعلقة بقرصنة البرامج و التي أضحكتني كان قيام شخص بوضع نسخة من برنامج لتعليم الرياضيات قام بإنتاجه والدي الاستاذ أحمد همّاش على أحد المنتديات ليحمله الناس مجانا بالرغم من أن البرنامج ليس مجاني. و ليرفع هذا الشخص الحرج عن نفسه كتب شكرا للاستاذ أحمد همّاش في ذلك المنتدى. و قد تداولت الكثير من المنتديات تلك النسخة من البرنامج و توقفت عائداته مما منعنا من تطوير البرنامج و حرمهم فرصة الاستفادة من أي تحديثات او تطويرات. و حادث آخر كان شكوى من إحدى الشركات التي انتجت لها برنامجا خدميا، حيث كان فحوى الشكوى بأنه ليس هناك طلب على البرنامج و بعد البحث في الانترنت وجدت أنه تم تحميل البرنامج من منتدى واحد فقط اكثر من 3000 مرة! أي أن البرنامج ناجح و لكن القرصنة قضت على عائداته.

العائق الآخر و هو سندان التكلفة، هناك عاملان أساسيان يشاركان في زيادة تكلفة انتاج الألعاب و هما: تكلفة التطوير (اجور المبرمجين و الرسامين و …)  و تكلفة التسويق. يمكن من خلال الانترنت تقليل تكلفة التسويق بشكل كبير جدا و بخاصة أنه يمكن التخلص من عائق النقل و الجمارك و الرسوم الأخرى و الأهم طبعا عائق “الكفيل أو الشريك الاجباري” في بعض الدول العربية. لكن العائق الاكبر الذي لا يمكن تجاهله هو أن أكثر الناس لا تملك وسيلة للشراء من خلال الانترنت و بالتالي فإن هذا الحل سيبقى محدود النتائج لعدة سنوات و لن يكون هناك بد من التسويق بالطرق التقليدية.

أما بالنسبة لتكلفة التطوير فإنه يمكن تقليلها و مضاعفة سرعة الانتاج كثيرا من خلال الاستثمار في طاقات الفئات المتعلمة الفقيرة و الفئات العاطلة عن العمل من رجال و نساء (و بخاصة النساء). حيث يمكن توفير أماكن لتعليم و تشغيل هذه الفئات بما يتناسب مع مقدراتهم في التعلم و الانتاج و بما يتناسب مع خصوصية بعض المجتمعات العربية. بعد تفكير طويل بهذا الأمر و تخطيط لبضع سنوات خرجت بحل أسميته “مراكز المهن الرقمية” و الذي اسعى حاليا للحصول على دعم من جهات مانحة دولية للمضي به. تقوم فكرة “مراكز المهن الرقمية” على توفير الأيدي العاملة المدربة المتخصصة و ذات التكلفة القليلة نسبيا من خلال استثمار طاقات سكان المناطق الفقيرة ذات الكثافة العالية و التي فيها الكثير من الأفراد المتعلمين العاطلين عن العمل. سنقوم بتوفير التعليم و التدريب العملي و الحواسيب و المعدات و البرامج اللازمة لتمكين المستفيدين من مراكز المهن الرقمية من انتاج الالعاب الرقمية للحواسيب و الهواتف الذكية و الرسوم المتحركة و حوسبة المناهج و تطوير البرامج الخدمية للحواسيب و الهواتف الذكية و غيرها من المهن الرقمية. بينما تقوم الافكار السابقة في هذا المجال على التدريب فقط، فإن “مراكز المهن الرقمية” تتعدى ذلك إلى توفير الحواسيب و المعدات و الخبراء و خدمات التعاقد و التوظيف و التسويق لمهارات و منتجات المستفيدين من خدمات مراكز المهن الرقمية. و بما أن الأعداد التي سيخدمها المركز في كل منطقة يصل إلى الآلاف فإن هذا سيوفر عشرات آلاف الأيدي العاملة المدربة التي تقبل العمل بأجرة معتدلة. سيتمكن المتدربون من انتاج برامج يبيعونها بأنفسهم او من خلال شركات التسويق التي يتعاقد معها المركز، كما سيتمكنون من الحصول على وظائف في مشاريع انتاجية من خلال تعاقد المركز مع شركات انتاج في مجال المهن الرقمية.

إن كنت مبرمج ألعاب و تعجز عن التقدم لأنك لا تجد من ينتج لك الرسوم باحتراف و تكلفة معتدلة، أو كنت رساما مبدعا و تعجز عن التقدم لأنك لا تجد مبرمجا محترفا بتكلفة معتدلة فإنك و لا شك ستجد ضالتك في مراكز المهن الرقمية و ستتمكن أخيرا من التحليق في سماء المهن الرقمية كما هو حال المبدعين في الدول المتقدمة.

ما ذكرته هنا ما هو الا قطرة في بحر هذا الموضوع و قد كتبت الكثير من التفصيلات لكن لا يتسع المجال هنا لإيرادها. يمكن قراءة المزيد من المعلومات عن مشروع مراكز المهن الرقمية في الموقع التالي:

http://www.hammash.net

م.علاء هماش